غزة تغرق أمام أعين العالم
قصص النازحين من قلب المعاناة
غزة – حياة واشنطن
في غزة، حيث لم يتبق من المباني سوى الركام والأطلال، تنتصب خيام النازحين كأنها أشباح تحاول الصمود أمام الرياح والأمطار.
السماء امتلأت بالغيوم منذ الصباح، ولكن سكان المخيمات لم يتوقعوا أن تتحول الأمطار إلى عاصفة غمرت خيامهم وممتلكاتهم.
وسط الوحل والمياه المتجمعة، خرج مجموعة من الشبان حاملين المعاول، يحاولون تصريف الماء قبل أن يبتلع الخيام.
أصواتهم تمازجت مع هدير الأمطار، وكأن الطبيعة تتحدى إرادتهم الصغيرة.
وعلى بعد أمتار، كان طفل صغير يسير حافي القدمين، ممسكاً بغالونين فارغين، يحاول الوصول إلى محطة مياه مؤقتة لجلب ماء الشرب.
كل خطوة كانت غرقاً في الوحل، كل غلّة من الماء التي يحملها كانت نصرًا صغيرًا في معركته اليومية من أجل البقاء.
داخل خيمة صغيرة في مخيم الزوايدة، كانت سعاد مسلم تحاول تغطية أطفالها المبتلين بالمياه.
البطانيات التي حملتها لم تعد قادرة على حماية الصغار من البرد، والمطر يتسلل إلى داخل الخيمة كما لو كان يسخر من معاناتهم.
بصوت باكٍ، قالت: "ليلة سوداء على أولادنا… لا نعرف إلى أين نذهب". صوت مياه الجريان حول الخيمة كان بمثابة تنبيه مستمر بأن الحياة هنا لا تعرف الراحة.
وفي زاوية أخرى، حملت شروق مسلم طفلتها الصغيرة في حضنها، محاطة بالبرد والأمطار. لم يكن هناك حطب لإشعال النار، ولا غاز للتدفئة، ولا حتى ملابس كافية لحماية الأطفال من قسوة الشتاء. السكان يعتمدون على المساعدات القادمة من الخارج، والتي لا تكفي أبداً لتغطية كل حاجاتهم.
في كل مكان، حاول من استطاع منهم فرش أرضيات خيامه بالطوب لمنع تسرب الماء، بينما كان الآخرون يختبئون تحت المظلات المتناثرة بين الخيام، يحاولون قدر الإمكان حماية أنفسهم وأطفالهم من السقوط في المستنقعات المائية.
الدفاع المدني في غزة، أعلن عن انهيار جزئي لثلاثة منازل نتيجة الأمطار الغزيرة، وحالة وفاة واحدة بسبب البرد.
كما حذر المواطنين من العودة إلى المنازل غير الآمنة، داعياً إلى توفير منازل متنقلة مجهزة بالطاقة الشمسية والغرف والمرحاض، لأن "الخيمة مرفوضة بشكل قطعي"، بحسب المتحدث محمود بصل.
هكذا، يعيش سكان غزة لحظة بعد لحظة بين ذكريات الحرب المدمرة وخوف الأمطار، بين فقدان منازلهم وحاجتهم إلى مأوى يحميهم من البرد والمياه. كل يوم يمر، يزيد من شعورهم بالظلم، ولكنهم يواصلون الصمود.
الأطفال يركضون في الطين بحثاً عن ماء الشرب، النساء يحاولن الحفاظ على دفء أبنائهن، والشباب يحاولون حماية الخيام من الانهيار، وكأنهم يقولون للعالم: "ما زلنا هنا، ما زلنا نحيا رغم كل شيء".
هذه هي غزة اليوم: صمود، ألم، معاناة، وبقعة أمل صغيرة تتوهج في وسط عاصفة لا تهدأ.

.avif)