أهالي "نور شمس".. لملمة الذكريات على أطلال الحجر
في صباح الأربعاء البارد، عاد عشرات من سكان مخيم نور شمس للاجئين في الضفة الغربية المحتلة إلى بيوتهم التي هُجروا منها قسراً قبل أشهر.
كانت العودة قصيرة ومؤلمة، إذ لم يسمح لهم سوى لجمع بعض متعلقاتهم الشخصية قبل أن يقوم الجيش الإسرائيلي بهدم 25 مبنى في المخيم.
المشهد كان صعباً على الجميع، شاحنات صغيرة محمّلة بالفرشات، ألعاب الأطفال، قطع الأثاث، وحتى إطارات النوافذ، بينما الجنود يقفون عند المداخل، يتحققون من هوياتهم ويفتشونهم جسديًا، ليُسمح بالدخول فقط لمن صدرت بحقهم إخطارات بهدم المنازل.
محمود عبدالله، أحد النازحين، لم يستطع إخفاء دهشته وحزنه عند مشاهدته ما تبقى من منزله لأول مرة منذ تهجيره.
قال، فيما كانت عيناه تلتقط ما تبقى من ذكريات طفولته وأيامه مع عائلته.: "لم أجد إلا بضع بيوت صالحة للعيش، وربما منزلين أو ثلاثة، لكنها غير مناسبة للسكن.. المخيم مدمّر بالكامل".
بالرغم من حجم الدمار، لم تفقد العائلات الفلسطينية الأمل.. إذ أن "ابتسام العجوز"، التي تهدم منزلها أيضاً، تحدثت بصوت مليء بالعزم: "نسأل الله أن يعوّضنا قصورًا في الجنة. كل ما ترونه هنا ليس سوى جدران، ولن يُضعف ذلك عزيمتنا".
وأضافت: "نحن عازمون على العودة، وبإذن الله سنعيد الإعمار. حتى لو هُدمت البيوت، معنوياتنا عالية ولن نخاف".
هذه العملية ليست الأولى من نوعها؛ فقد بدأ الجيش الإسرائيلي مطلع العام الجاري حملة عسكرية واسعة في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية، بهدف القضاء على الجماعات الفلسطينية المسلحة، وفق ما أعلن. ونتيجة لذلك، نزح آلاف السكان من مخيمات مثل طولكرم ونور شمس وجنين، ما ترك أكثر من 30 ألف نسمة بلا مأوى، مع قلة الفرص للعودة.
في أزقة المخيم الضيقة، كانت الجرافات والمدرعات تفرض سيطرتها، بينما تروي الخراب قصصاً عن حيوات انقلبت رأسًا على عقب، عن أحلام وأمانٍ تلاشت بين ركام المنازل.
وقال مدير شؤون وكالة الأونروا في الضفة الغربية، رولاند فريدريك، إن نحو 1600 منزل دُمرت كليًا أو جزئيًا خلال هذه العمليات، ما يزيد من حجم المأساة الإنسانية.
تعود جذور هذه المعاناة إلى ما بعد عام 1948، حين هُجّر آلاف الفلسطينيين إثر قيام دولة إسرائيل وحروبها، فأنشئت المخيمات كخيام للاجئين. ومع مرور السنين وازدياد السكان، تحولت الخيام إلى مساكن من الطوب، وازدادت الطوابق ارتفاعاً لتستوعب العائلات الجديدة.
في وسط هذه الدمار، ما زالت روح الصمود واضحة في عيون النازحين. رغم فقدانهم منازلهم وذكرياتهم، فإن رغبتهم في العودة وإعادة الإعمار تتجدد كل يوم. عشرات الأهالي، محمّلين بذكرياتهم وأحلامهم، يثبتون أن الروح الإنسانية لا تنكسر، حتى في أحلك الظروف.

.avif)