قاتل جديد في غزة.. وموت «بلا وداع»
بعد هدوء نسبي لقصف مقاتلات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، ظهر قاتل جديد في القطاع، الذي لا يمنح أهله فرصة حتى لـ"وداع الأحبة".
وبقمصان وسترات قطنية خفيفة وأحذية صيفية مفتوحة، خرج شبان فلسطينيون في مخيم للنازحين في حي الزيتون في مدينة غزة يحملون المعاول، محاولين تصريف مياه الأمطار الغزيرة التي اجتاحت خيامهم.
ضربت مساء الأربعاء قطاع غزة والأراضي الفلسطينية عموما، عاصفة أغرقت خيام النازحين والمنازل المدمرة بالمياه، مفاقمة معاناة السكان الذي نزح معظمهم لمرة واحدة على الأقل خلال الحرب المدمرة التي استمرت أكثر من عامين.
تسبب تدمير الحرب لمعظم مباني غزة أو تضررها بشكل كبير أو جزئي، بانتشار آلاف الخيام التي نصب عدد كبير منها مكان الركام الذي أُزيل بعد التوصل إلى هدنة دخلت حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي.
ووفق تقرير للأمم المتحدة، هناك 850 ألف شخص في 761 مخيما وموقع نزوح معرضون لخطر الفيضانات بشدة.
وفي المناطق المنخفضة حيث انتشرت الخيام في مخيم الزوايدة وسط غزة، شكلّت المياه بركا صغيرة.
وقالت سعاد مسلم النازحة من منطقة بيت لاهيا من داخل خيمتها في الزوايدة "الليلة كانت ليلة سوداء علينا وعلى أولادنا بسبب البرد والمطر. لم نستطيع حتى تغطية طفل، البطانيات غرقت بالمياه، لا نعرف إلى أين نذهب".
وأضافت بانفعال على وقع صوت جريان الماء خارج خيمتها البلاستيكية "فليعطونا خيمة جيدة، شوادر نغطي بها أطفالنا، ملابس لأطفالنا، إنهم يمشون حفاة ولا يجدون حذاء. إلى متى؟ هذا ظلم".
وبسبب حصار إسرائيل للقطاع والتحكم بدخول المساعدات التي تقول الأمم المتحدة إنها غير كافية، يعجز السكان الفقراء عن التعامل مع الطقس البارد.
ووصفت شروق مسلم وهي نازحة من بيت لاهيا بينما كانت تحمل طفلة برداء أحمر في حجرها، الوضع بأنه "صعب جدا. لا نعرف ماذا نفعل، نحن غير قادرين على الخروج لإشعال النار، اذ لا يوجد حطب، وليس لدينا غاز".
ويعاني سكان قطاع غزة منذ اندلاع الحرب من نقص حاد في الغاز والحطب والطعام والدواء وغيرها من الحاجات الأساسية ويعتمد معظمهم على المساعدات التي تصل من الخارج.
ووفقا للمتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل فقد تم تسجيل حالات وفاة جراء البرد القارس. وأكد بصل أن انعكاسات المنخفض الجوي "خطيرة جدا على المواطنين" وخصوصا مع انهيار البنية التحتية في القطاع.
وأعلن الدفاع المدني في بيان الخميس أن فرقه تعاملت مع انهيار جزئي في ثلاثة منازل بسبب الأمطار الغزيرة.
وحذّر الجهاز السكان من العودة إلى المنازل التي أصبحت غير آمنة وآيلة للسقوط بفعل الغارات الجوية خلال الحرب، وزادت العاصفة وضعها سوءًا.
وشدد بصل على الحاجة إلى جلب منازل متنقلة جاهزة للسكن.
وقال "الخيمة مرفوضة بشكل قطعي. ما يجب أن يدخل الآن هو كرافان، مجهز بطاقة شمسية، بغرفتين، بمرحاض وبالأدوات التي يحتاج إليها المواطن".
وأعلن الدفاع المدني في غزة الجمعة مصرع 16 شخصا على الأقل خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، بينهم ثلاثة أطفال توفوا بسبب تعرضهم للبرد، وذلك مع اجتياح عاصفة شتوية للقطاع الفلسطيني المدمَّر.
وأكد مستشفى الشفاء في مدينة غزة وفاة الطفلة هديل المصري البالغة تسع سنوات، والطفل تيم الخواجة الذي قال إنه لم يتجاوز عمره بضعة أشهر.
كما أكد مستشفى ناصر في خان يونس الخميس أن الرضيعة رهف أبو جزر البالغة ثمانية أشهر قد توفيت في مخيم المواصي بسبب البرد.
وتم انتشال جثتين من تحت أنقاض منزل في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، فيما بقية الجثامين تحت الانقاض.
وقالت أم محمد جودة "تبللت المرتبة منذ صباح اليوم، ونام الأطفال في فراش مبلل الليلة الماضية. ليس لدينا ملابس جافة لنرتديها".
وقال جوناثان كريكس المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الموجود حاليا في غزة، إن درجات الحرارة ليلا قد تنخفض إلى حوالى ثماني أو تسع درجات مئوية.
وأضاف "الأمطار غزيرة، وهذه العائلات تعيش في خيام تضربها الرياح، حيث بالكاد تحميها قطعة قماش بلاستيكية".
وقال سامر مرسي، وهو نازح يبلغ 22 عاما ويقيم في دير البلح وسط القطاع، إنه "قضى الليل ممسكا بعمود الخيمة حتى لا يطير بفعل الرياح القوية. لا نعرف كيف نتعامل مع هذه الظروف القاسية. نحن بشر لدينا مشاعر، ولسنا مصنوعين من حجر".

.avif)